لما خلق الله تعالى جناتِ عدن وشقَّ فيها أنهارَها وغرس فيها أشجارها وزينها للناظرين قال لها: تكلمي بإذني، فقالت الجنة: قد أفلح المؤمنون، فقال لها مولانا تبارك وتعالى: وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل أبداً[1].
أيها المؤمنون، روى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه قال: لما نزلت الآيات العشر الأولى من سورة المؤمنون رفع يديه صلى الله عليه وسلم إلى السماء، ودعا الله تبارك وتعالى قائلاً: ((اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تُهِنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، ورضنا وارض عنا)) ، وبعدما دعا الحبيب صلى الله عليه وسلم هذه الدعوات الكريمة توجه إلى أصحابه وقال لهم: ((لقد أنزل علي عشر آيات، من عمل بهن أدخله الله تبارك وتعالى الفردوس الأعلى))[2].
عباد الله، هذه بضاعة الله، وبضاعة الله تبارك وتعالى غالية، عشر آيات من عمل بهن أدخله الله تبارك وتعالى الفردوس الأعلى: قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَـٰشِعُونَ وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـوٰةِ فَـٰعِلُونَ وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَـٰفِظُونَ إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوٰجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَاء ذٰلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ وَٱلَّذِينَ هُمْ لأمَـٰنَـٰتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رٰعُونَ وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوٰتِهِمْ يُحَـٰفِظُونَ أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْوٰرِثُونَ ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ [المؤمنون:1-11].
تعالوا ـ أيها المؤمنون ـ لنعيش هذه اللحظات المباركة مع أهل الإيمان الذين حكم الله تبارك وتعالى لهم بالفلاح والنجاح والصلاح، أفلحوا وفازوا وسعِدوا، آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره.
لما دخل نبينا على جماعة من أصحابه ذات يوم سألهم فقال: ((أمؤمنون أنتم؟)) قال أمير المؤمنين عمر: نعم يا رسول الله، فقال : ((فما حقيقة إيمانكم؟)) قال عمر رضي الله عنه: نصبر على البلاء، ونرضى بالقضاء، ونشكر في الرخاء، فقال المصطفى : ((مؤمنون ورب الكعبة، الإيمان صبر وشكر ورضا)).
عباد الله، ورد في الحديث القدسي: ((إن الله تبارك وتعالى قال: إذا ابتليت عبدي ببلاء في ماله أو ولده أو نفسه فاستقبل ذلك بصبر جميل استحييت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزاناً أو أنشر له ديواناً، وأدخله الجنة بغير حساب، وعزتي وجلالي لا أخرج عبداً من الدنيا وأحب أن أرحمه حتى أوفيه بكل سيئة كان عملها سقماً في جسده أو إقتاراً في رزقه أو مصيـبة في ماله أو ولده، حتى أبلغ منه مثاقيل الذر، فإذا بقيت له سيئة بعد ذلك شددت عليه سكرات الموت حتى يلقاني كيوم ولدته أمه)).
عباد الله، عروة بن الزبير رضي الله عنه أصيب ساقه بالسرطان، فقال الأطباء له: لا علاج لها إلا قطعُها، فماذا يفعل؟ إنه أمام القضاء والقضاء، قضاء الله، ولا حيلة إلا الصبر، وأراد الأطباء أن يعطوه شيئاً يخدرونه حتى لا يشعر بألم القطع، فقال عروة: والله لا أتعاطى شيئاً يغيب عقلي عن ذكر الله تبارك وتعالى. ثم قال لهم: إذا دخلت في الصلاة وجلست لقراءة التشهد فاقطعوا ساقي فإني عندما أكون بين يدي الله، لا يكون في قلبي إلا الله تبارك وتعالى. ودخل عروة الصلاة، وكانت صلاته من نماذج فريدة.
سئل الإمام حاتم الأصم كيف أنت إذا دخلت الصلاة يا حاتم؟ فقال رضي الله عنه: إذا دخلت الصلاة جعلت الكعبة أمامي، والموت ورائي، والصراط تحت قدمي، والجنة عن يميني، والنار عن شمالي، والله مطلع علي، ثم أتم ركوعها وسجودها، فإذا سلمت لا أدري أقبلها الله أم ردها علي.
الصلاة ـ يا عباد الله ـ التي أهملناها وضيعناها، فقد ورد أن امرأة جاءت إلى موسى عليه السلام وقالت: لقد فعلتُ ذنباً كبيراً فهل لي من توبة؟ فقال لها: وما ذنبك يا أمة الله؟ فقالت المرأة: زنيت وولدت من الزنا، وقتلت ابني الذي ولدته، فقال لها الكليم: اغربي عنا بوجهك، خشيت أن يأخذنا الله بسبب ذنبك، فخرجت المرأة باكية العينين كاسفة الحال. وبعدما خرجت نزل أمين الوحي جبريل على موسى الكليم فقال له: يا كليم الله، الله تبارك وتعالى يقول لك: هل طردتها وهي تريد التوبة، ألا تعلم من أشدّ منها ذنباً؟ فقال موسى: ومن يكون أشدّ منها ذنباً؟ فقال جبريل: تارك الصلاة عامداً متعمداً.
إن من المسلمين ناساً لا يدخلون المساجد إلا في أيام الجمع، إن من المسلمين من لا يصلون إلا في رمضان، إن منهم من لا يصلون إلا الجمعة الأخيرة، إن من المسلمين من لا يدخلون المساجد طوال حياتهم، إنما يدخلونها مرة واحدة، وهم محمولون على خشبة المقابر، لا ليصلوا، وإنما ليصلَّى عليهم .
ثم يقول الله تبارك وتعالى: ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَـٰشِعُونَ ومعنى ذلك أنهم دخلوا في الصلاة كما يدخل الإنسان في ثوبه، فكما أن الثوب يحمي صاحبه من الحر و البرد، كذلك الصلاة تحمي صاحبها من عذاب جهنم، والخشوع هو حضور القلب وسكون الجوارح
تـــــــــــــحـــــــــــــــــيــــــــــــــــاتـــــــــي